بما أن الجميع قد أسهب في الكلام عن حلْقة ون بيس 957 الفريدة فقد حان الوقت لندلوَ لكم بدلونا …
حلْقة 957، أو بالأحرى تسميتها فلمًا قصيرًا مدته 20 دقيقة. لكن…
الرسم، التحريك، الصوتيات، الإخراج، لوحة القصة (ستوريبورد)، جميعها ارتقت عن أن تكون مجرد حلْقة أسبوعية اعتيادية بل كانت في مستوى مغاير تمامًا كما لو كنت تشهد فلمًا يُعد له منذ سنوات.
هل هي أفضل حلْقة بتاريخ الأنمي؟
لا حاجة للسؤال أصلًا …
أولًا لنأخذ نبذةً مختصرة عن مخرجة الحلْقة.
وهي السيدة ميغومي إيشيتاني، شابةٌ تخرجت من أحد أرقى جامعات الفنون وأفضلها،
ومن برنامج GEIDAI صعب المنال، حيث لا يقبل فيه سوى 12 طالبًا فقط كل عام.
بعد تخرجها مباشرةً في عام 2015، لم يتردد استوديو توي أنميشن ولو للحظة واحدة في توظيفها،
بل مكنها وأعطاها ثقته الكاملة لتخرج حلْقةً كاملة بمفردها من أحد الأنميات التي تعد أيقونةً ووسامًا يفخر به استوديو توي أنميشن “دراغون بول سوبر” الحلْقة 131.
وبالأمس، حصلت على فرصةٍ ثانية لتخرج حلْقةً كاملة من أنمي ون بيس.
حيث تعد مشاركتها الأولى في هذا العمل، ولم تتوانى بجهدها وقدرتها الإخراجية العظيمة فقد أخرجت وأنتجت لنا رفقة طاقم العمل ما يعتبرهُ الكثيرون الحَلَقة الأفضل في تاريخ الأنمي.
ثاني المحاور التي سنتطرق لها هو الإخراج.
إخراج السيدة إيشيتاني احتوى على دقة متناهية يبين لك مدى حبها العظيم لعملها والبحث عن الإتقان بجميع أركانه كأنها عملت على الأنمي من الحلْقة الأولى.
الاهتمام بأدق التفاصيل.
قد تكون لمسات بسيطة مثلًا في لقطة شيخوخة الملكين كوبرا وريكو خلال نهوضهما، وأيضًا لقطة انزعاج أخ سابو من انعكاس أشعة الشمس على حراشف الملك نبتون وإسقاطًا للكره والتفضيل العرقي بين الأجناس.
موسيقى التصوير.
اختيار الموسيقى والتوظيف الممتاز لها يعد عاملًا مهمًا في استقطاب انتباه المشاهد، بدايةً في لقطة غارب والملك نبتون حيث كان الحوار فيها مهمًا جدًا واحتوى العديد من الإسقاطات التي تعمدها الكاتب
“كحكم القوي على الضعيف“، “السلام لا يدوم“، “الاختلافات الطبقية والدينية لن تجعل الناس سواسية“، “المكائد تحاك خلف ستار ابتساماتهم الزائفة” وغيرها،
واستطرد في الخبر الذي أثقل كاهله حول مملكة أراباستا.
لذا تطلب المشهد استخدام موسيقى خفيفة على مسامع المشاهد لكي لا يتشتت انتباهه عن لُب الموضوع.
الإضاءة والألوان.
لم تخيب الحلْقة توقعاتنا، فقد احتوت على الكثير من التلاعب القوي للإضاءة والألوان بتوظيفٍ ذكي.
نلاحظ كيفية بقاء ضابط السايفر بول في الظل حتى هُزم على يد مورغانز وينكشف عنه الستار ويظهر الضوء كدلالة على انقشاع العتمة.
استخدام اللون الأحمر في مشهد كوبي ودريك لإضفاء طابع الحذر والسرية والشعور بالخوف.
أحد اللمسات التي تميزت بها السيدة إيشيتاني بهذه الحلقة هي تكرار “اللمعان” تكرارًا واضحًا ورائعًا في كل فرصة تسنح لها مما أعطى الحلْقة رونقًا فريدًا وصبغةً خاصة.
المحور الثالث هي لوحة القصة (ستوريبورد).
نادرًا ما نرى لوحة قصة بهذا المستوى العالي خاصةً في أنمي تلفزيوني، فما بالكم بكونه أنمي أسبوعي؟!
لا أخطاء بتاتًا وكانت ذات جودة عالية جدًا لذا تستحق العلامة الكاملة 10/10
أولًا شرح لماهية “لوحة القصة“.
هي رسومات أو سكيتشات تمثل خيال المخرج للمشهد، فالأنميتورز لا يحركون ويرسمون من فراغ بل بناءً على رسومات أولية وتوجيهية لطريقة ظهور المشاهد وتواليها ومدتها والزوايا الكاملة للمشهد وتحرك الكاميرا وغيره من الأمور المتعلقة بهذه النقطة.
وظيفة المخرج والرسامين وباقي مسؤولي الإنتاج هو إحياء لوحة القصة هذه.
لوحة القصة لهذه الحلْقة من السيدة إيشيتاني هي الأفضل في تاريخ الأنمي برأيي الشخصي.
فلا وجود لمشهد واحد على الأقل ظهر في هذه الحلْقة وكان دون المستوى، بل جميعها أُخرجت بطريقة فنية غايةٍ في الروعة.
ولعدة أسباب أخرى سأذكرها:
- الانتقالات السلسلة بين المشاهد
- الشعور بضخامة الأحداث وضبط المشاهد الواسعة
- عدم الاكتفاء براوية القصة فقط بل الإضافة لها
- سرد جذاب يجعلك تنسجم لا شعوريًا مع الأحداث
كما لاحظنا تكرر استخدام اللقطات المتحركة أفقيًا وعموديًا لربط المشاهد والانتقال بين أصقاع العالم مما ساهم بجعل الحلْقة تنقضي بسلاسة دون الشعور بعدم ترابط الأحداث.
استخدام اللقطات المتحركة في عرض أسياد الحرب وأحداث أراباستا ودريسروزا وكذلك دمجها معًا،
أخرج لنا (بوسترات) بجودة عظيمة كأنها ملصقاتٌ ترويجية معدةٌ لرواج الأفلام.
السيدة إيشيتاني أبدعت بتوظيف اللقطات الواسعة لإظهار ضخامة الأحداث المتعلقة بها وكذلك الزوايا المائلة.
مشهد مورغانز وعميل السايفر بول احتوى على أفضل لوحة قصة في الحلْقة، ففيها العديد من الزوايا المبتكرة والمنظور المائل في بعض مشاهده (ميلان أطراف الخلفية للأعلى والأسفل) كذلك اللقطات القريبة للأرض جميعها أضافت الشعور بضيق الحيز لإضفاء عامل الهلع والفوضى ضمن المشهد.
وبمجرد أن هزم مورغانز العميل توسع المشهد للقطة واسعة حيث عكست ما سبق وحلت البهجة والهدوء مع زوال الخطر.
لوحة القصة لا يقتصر جمالها فقط بعرض المشاهد بشكل ممتاز واحتوائها على العديد من اللوحات الفنية، بل يجعلك تشعر بأنك منخرط ضمن الأحداث ويكون ذلك بالتوظيف الجيد لاهتزازات الكاميرا كما استُخدم منظور الشخص الأول عقب مشهد كوبي وإعلانه السعي خلف بوا هانكوك، وكأنك راكبٌ على سطح السفينة.
الرسم والتحريك.
حينما يجتمع اثنان من أفضل مشرفي الرسم بالأنمي مع مجموعة من أفضل المحركين …
ماذا يمكنكم تخيله حول ما سيحدث؟
بالطبع حلْقة لا مثيل لها كهذه.
جودةٌ في الرسوم هي الأفضل بلا شك في تاريخ الأنمي.
والشكر يعود لمشرفي الرسم السيد هيروتاكا إتو والسيد إيساكو إينوي، حيث قدما لنا أحد أفضل حلقاتهم من رسم وتصحيحات.
السيد إتو كالعادة يمتاز بالتظليل القوي مما يعطي رسماته طابع ثلاثي الأبعاد.
ومشرف الرسم إينوي امتاز برسمه المميز والقريب جدًا من رسم المؤلف أودا.
وشارك في الحلْقة مجموعة كبيرة من المحركين وأبرزهم
الفرنسي فنسنت تشانسارد، وهو أنميتور حُر (غير مرتبط باستيديو واحد فقط) وهذا أول ظهور له في ون بيس حيث ظهر لنا برسمه السلس والمصقول جدًا، حتى إن البعض ظن أنه CG.
مشاركته كانت مفاجأة قوية كون أعماله في الأنميات قليلة بالكاد تُذكر.
وبجلب مثل هذا الأنميتور الذي يمكننا وصفه بالمجهول، يدل على أن المخرجين والمنتجين بالتحديد يبحثون بحرصٍ قوي لجلب المزيد من المبدعين ليعملوا على الأنمي.
ماسامي موري، أحد المحركين النخبة لاستيديو توي انميشن كان له نصيب الأسد من الحلْقة. تمكن من إحياء لوحة القصة للمخرجة إيشيتاني إحياءً رائعًا حيث وظف فيها فهمه العميق لطريقة تحريك الأجساد بعد سنواتٍ من العمل تحت ظل الاستوديو وما تعلمه على يد أسماء ذائعة الصيت بعالم التحريك.
كاتسومي إيشيزوكا، أنميتور الأكشن الأول في ون بيس وملك الضربات القاضية.
مشاركته كانت قصيرة جدًا كما هو متوقع لطابع الحلْقة فأغلب تركيزه على مشاهد الأكشن، لكن رؤية تحريكه المتقن أكثر على تحريك الشخصية وتمثيلها يعد شيئًا جميلًا.
فتحريكه تميز باستخدامه المعتاد للتشويه تعبيرًا عن السرعة بشكلة قوي جدًا.
حتى أصبح مؤخرًا يفصل بعض الأجزاء من الشخصيات وتصبح شبيهة بقطرات منفصلة.